الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.غزوة خيبر: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غازيا إلى خيبر في بقية المحرم آخر السنة السادسة وهو ألف وأربعمائة راجل ومائتي فارس واستخلف نميلة بن عبد الله الليثي وأعطى راية لعلي بن أبي طالب وسلك على الصهباء حتى نزل بواديها إلى الرجيع فحيل بينهم وبين غطفان وقد كانوا أرادوا إمداد يهود خيبر فلما خرجوا ذلك قذف الله في قلوبهم الرعب لحس سمعوه من روائهم فانصرفوا وأقاموا في أماكنهم وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتح حصون خبير حصنا حصنا فافتتح أولا منها حصن ناعم وألقيت على محمود بن سلمة من أعلاه رحى فقتله ثم افتتح القموص حصن ابن أبي الحقيق وأصيبت منهم سبايا كانت منهن صفية بنت حيي ابن أخطب وكانت عروسا عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق فوهبها عليه السلام لدحية ثم ابتاعها منه بسبعة أرؤس ووضعها عند أم سلمة حتى اعتدت وأسلمت ثم أعتقها وتزوجها ثم فتح حصن الصعاب بن معاذ ولم يكن بخيبر أكثر طعاما وودكا منه وآخر ما افتتح من حصونهم الوطيح والسلالم حصرهما بضع عشرة ليلة ودفع إلى علي الراية في حصار بعض حصونهم ففتحه وكان أرمد فتفل في عينه صلى الله عليه وسلم فبرأ.وكان فتح بعض خيبر عنوة وبعضها وهو الأكثر صلحا على الجلاء فقسمها صلى الله عليه وسلم وأقر اليهود على أن يعملوها بأموالهم وأنفسهم ولهم النصف من كل ما تخرج من زرع أو تمر يقرهم على ذلك ما بداله فبقوا على ذلك إلى آخر خلافة عمر فبلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي مات فيه: «لا يبقى دينان بأرض العرب فأمر بإجلائهم عن خبير وغيرها من بلاد العرب» وأخذ المسلمون ضياعهم من مغانم خيبر فتصرفوا فيها وكان متولي قسمتها بين أصحابها جابر بن صخر من بني سلمة وزيد بن ثابت من بني النجار واستشهد من المسلمين جماعة تنيف على العشرين من المهاجرين والأنصار منهم عامر بن الأكوع وغيره.وفي هذه الغزاة حرمت لحوم الحمر الأهلية فاكفئت القدور وهي بلحمها وفيها أهدت اليهودية زينب بنت الحرث امرأة سلام بن مشكم إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاة مصلية وجعلت السم في الذراع منها وكان أحب اللحم إليه فتناوله ولاك منه مضغة ثم لفظها وقال: «إن هذا العظم يخبرني أنه مسموم» وأكل معه بشر بن البراء بن معرور وازدرد لقمته فمات منها ثم دعا باليهودية فاعترفت ولم يقتلها لإسلامها حينئذ على ما قيل ويقال إنه دفعها إلى أولياء بشر فقتلوها.قدوم مهاجرة الحبشة: وكان مهاجرة الحبشة قد جاء جماعة منهم إلى مكة قبل الهجرة حين سمعوا بإسلام قريش ثم هاجروا إلى المدينة وجاء آخرون منهم قبل خيبر بسنتين ثم جاء بقيتهم إثر فتح خيبر وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي في شأنهم ليقدمهم عليه فقدم جعفر بن أبي طالب وامرأته أسماء بنت عميس وبنوهما عبد الله ومحمد وعون وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية وامرأته أمينة بنت خلف وابناهما سعيد وأم خالد وعمرو بن سعيد بن العاص ومعيف بن أبي فاطمة حليف أبي سعيد بن العاص ولي بيت المال لعمر وأبو موسى الأشعري حليف آل عتبة بن ربيعة والأسود بن نوفل خويلد ابن أخي خديجة وجهم بن قيس بن شرحبيل بن عبد الدار وابناه عمر وخزيمة والحرث بن خالد بن صخر بن تميم وعثمان بن ربيعة بن أهبان من بني جمح ومحنية بن حذاء الزبيدي حليف بني سهم ولي لرسول الله صلى الله عليه وسلم الأخماس ومعمر بن عبد الله بن نضلة بن عدي وأبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عامر بن لؤي وأبي عمرو مالك بن ربيعة بن قيس بن عبد شمس فكان هؤلاء آخر من بقي بأرض الحبشة ولما قدم جعفر على النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح خيبر قبل ما بين عينيه والتزمه وقال: ما أدري بأبيهما أنا أسر بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟!.فتح فدك ووادي القرى. ولما اتصل بأهل فدك شأن أهل خيبر بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه الأمان على أن يتركوا الأموال فأجابهم إلى ذلك فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فلم يقسمها ووضعها حيث أمره الله ثم انصرف عن خيبر إلى وادي القرى فافتتحها عنوة وقسمها وقتل بها غلامه مدغما قال فيه لما شهد له الناس بالجنة: كلا إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم قبل القسم لتشتعل عليه نارا ثم رحل إلى المدينة في شهر صفر.
|